المعركة التي لم تحسم بعد ..

بقلم د. محمود غزال

محرر قسم اللغة العربية - جلوبال برنت مونيتور

 

مع بزوغ ثورة الإنترنت وانتشار النشر والمحتوى الإلكتروني ظهرت أصوات تتوقع بانقراض تقنيات الطباعة وتراجعها لصالح المحتوى الرقمي، إلا أنه وبعد مرور أكثر من عقد على هذه التنبؤات لازلنا نرى الطباعة صامدة في مكانها، ما يجعلنا نتساءل إلى أي مدى ستصمد صناعة الطباعة في وجه كل التحديات التي تواجهها يوما بعد يوم؟

نعم لا شك أن ما تطبعه المطابع لا يقارن مع ما كانت تطبعه منذ عشر سنوات، وطلبات الطباعة التي كانت تتعدى مئات الآلاف انكمشت وأصبحت لا تزيد عن البضعة الآلاف. لكنها لم تصل حتما إلى الرقم "صفر" ولن تصل إليه لأسباب عديدة، أهمها من رأيي أن "النسخة المطبوعة" لازالت تحمل قيمة موجهة أكبر لدى القارئ على حساب المحتوى الرقمي سواء كان ذلك دعاية أو كتاب ..إلخ.

إذا لماذا صمدت صناعة الطباعة حتى الآن؟ هل هي نمطية التفكير التقليدي كبشر لازلنا فيه نميل إلى النسخ المطبوعة عوضا عن المحتوى الإلكتروني؟ أم هل هي ضبابية التقنيات الرقمية التي لازالت لم تقدم شيئا ملموسا يمكن أن يواجه ثقل المحتوى بحجم ما تقدمه الطباعة التقليدية؟

المتابع لهذه المعركة الشرسة التي سيرى أنه في كل مرة يقترب المحتوى الرقمي من التغلب على الطباعة التقليدية يظهر "طوق نجاة" يمكن الطباعة التقليدية من التماسك والصمود في مواجهة المحتوى الرقمي، فعلى سبيل المثال منذ عقد من الزمن ظهرت الطباعة الرقمية بمظهر عصري للطباعة مكن العديد من المطابع من التوسع في منتجاتها المبتكرة حافظت من خلالها على رونق "النسخ المطبوعة" مع تنويع المنتجات والخيارات التي يمكن أن تتيحها للعملاء من مثل الطباعة ذات السمة التشخيصية والطباعة عند الطلب..إلخ.

وكذلك عندما اشتدت "معركة تكسير العظام" مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي وازدياد كعكة الإعلان الرقمي وكادت الطباعة التقليدية أن تتراجع تحت وطأة هذه المنافسة المحمومة ظهرت تقنية "الطباعة ثلاثية الأبعاد" كمنقذ للمطابع، ومجال عمل جديد يحمل بين آفاقه فرص أعمال ضخمة لا سقف لها.

فمن طباعة النماذج الأولية إلى طباعة الطائرات والسيارات وحتى الأعضاء الحيوية، بدأت تتشكل معها ملامح ثورة طباعة جديدة تفتح معها أفقا واسعة للمطابع لاستغلالها لأبعد الحدود، لازالت تتكشف لدينا معها مجالات وآفاق جديدة يوما بعد يوم.

إذا فنحن نتحدث هنا عن صمود للطباعة التقليدية بالرغم من شدة المنافسة المحتدمة بينها وبين المنافسين الآخرين، وهي نقطة تحسب لها، وهناك العديد من العوامل التي ساهمت في صمودها إلى الآن، وكانت التقنيات الحديثة التي استحدثتها الشركات المصنعة مع الدور الذي لعبته "المطابع" في هذه المعركة بشمل متكامل ساهم فيه كل طرف في الحفاظ على ثبات موقعه في هذه المعركة.

لا شك أن مواكبة المطابع للتقنيات الحديثة التي دشنتها الشركات المصنعة ومواصلتهم لابتكار منتجات جديدة ومبتكرة قادرة على الحفاظ على أعمالهم لعب دور حيوي في صمود الطباعة، وهو أمر هام لا يقل أهمية عما تقدمه شركات الطباعة من تقنيات وطابعات تساهم في أعمالهم على الرغم التحديات البالغة التي تواجهها الطباعة يوما بعد يوم.

إلى الآن تبدو المنافسة ممتدة إلى عقد مقبل ولم تحسم بعد، ولربما لن يتمكن طرف من التغلب على الطرف الآخر أو إقصاءه من على الساحة، ولضمان ذلك يبقى التحدي الأكبر على المطابع هو مواصلة الصمود في هذه المعركة عبر مواكبة والتأقلم مع التوجهات التقنية الحديثة سواء الطباعة الرقمية أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، ومواكبة العهد الجديد الذي تعيشه الطباعة وترجمتها إلى فرص أعمال لعملائها يمكن عبرها من تقديم منتجات مبتكرة قادرة على تلبية احتياجاتهم وفي ذات الوقت يمكنها من النمو والتوسع في مجال أعمالها أسوة بالتقدم الهائل الذي نراه في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد.

نعم صناعة الطباعة تمر الآن بمرحلة دقيقة ستتبلور بعدها ملامح عهد طباعي جديد يمهد لثورة صناعية مقبلة مدوية ستلقي بظلالها على جميع المجالات الحياتية، وعلى المطابع أن تكون مهيئة من الآن للتعامل مع هذه التقنيات الجديدة، وتضمن تواجدها وترسخ من مكانتها في هذه المرحلة وإلا سيفوتها القطار ولن تجني ثمارها مستقبلا.