تحديات أمنية وقانونية جراء التوسع المتوقع للطابعات ثلاثية الأبعاد في المجتمع

 

بقلم: مريم الأحمدي

مع انتشار ثورة الاتصالات والمعلومات وما تسببت فيه من سهولة انتقال الأنماط السلوكية بين المجتمعات وبعضها والتي بعضها لا يتوافق مع طبيعة المجتمع أو قيمة ومبادئه، إضافة إلى التضارب الشديد في المعلومات وتنوعها، أصبح هناك تحديات عديدة مازالت المجتمعات المختلفة تتوافق معها حماية لبنية المجتمع والحفاظ على استمرارية مبادئة وتراثه.

إلا أن هناك تحديات أخرى أصبحت بالغة الخطورة تتمثل في المخترعات متعددة الأستخدامات والتي إذا كان بعضها يمثل فائدة جوهرية للبشرية ككل، إلا أن درجة هذه الفائدة تتحدد وفقا للاستخدامات التي تتم عليها، ومن هذه المخترعات .. الطابعات ثلاثية الأبعاد، التي تنتشر بين أرجاء المجتمعات بصورة لا يمكن تخيلها، حتى أصبحت أحد أبرز سمات العصر الراهن.. ويكفي أن الشركات المنتجة لها ترى أن الطابعات ثلاثية الأبعاد ستكون في اهميتها في درجة تماثل اهتمامات البشر بالوفاء باحتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب.

ولقد شهد سوق الطباعة الثلاثية الأبعاد ازدهاراً كبيرا في السنوات الأخيرة، إلا هذا النمو السريع تواكبه مخاوف قطاع الصناعة من أن يصب ذلك في صالح القراصنة عبر الاستفادة من هذه التقنية الجديدة واستخدامها في نسخ المنتجات والعلامات التجارية ومن ثم تهديد حركية الاقتصاد وإلحاق الخسائر بالعديد من الكيانات المتخصصة في مختلف المجالات الصناعية، أو التسبب في تهديد المجتمع بشكل مباشر من خلال نسخ وابتكار الأسلحة المختلفة بطريقة غير قانونية، والتي ستؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور أنماط متعددة من الخروقات القانونية، أي تهديد أمن وسلامة المجتمع بشكل عام.

 

 

آلية عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد

ووفقا لآلية عمل الطابعات ثلاثية الأبعاد فهي تعتمد في عملية الطباعة على ما يعرف بالتصنيع التراكمي، وهي تنتج الأشياء اعتمادًا على قطرات بلاستيك مصهورة مع مواد أخرى تشبه خرطوشة الحبر عبر صهر طبقات مضافة فوق بعضها، مما يتيح تصنيع أشياء دون أي معدات أو تجهيزات خاصة، كما أن العملية لا تولد نفايات ولا تتكبد فيها تكاليف نتيجة تعقيدات التصميم.

وقد ساعد انخفاض سعر الطابعة في زيادة انتشارها، فبعدما كان سعرها في البداية يتجاوز مائة ألف دولار، أصبحت اليوم تكلفة امتلاك مثل هذه الطابعة بجودة متوسطة أقل من ألف دولار.

وتوقعات العديد من المؤسسات الدولية المتخصصة في دراسات السوق أن تتجاوز إيرادات قطاع الطباعة الثلاثية الأبعاد خلال العام الجاري 2018 أكثر من 16 مليار دولار.

يمكن للمستخدم الذي يملك طابعة ثلاثية الأبعاد استنساخ السلع الصناعية والتصاميم بطريقة سهلة، حيث يكفيه أن يحمّل ملف تصميم لنموذج ثلاثي الأبعاد من الإنترنت - أيا كان- ويدخله في برنامج الطابعة ليحصل على نفس المنتج في وقت قصير ودون أي معدات أو خامات صناعية..!!

وعلى الرغم من ظهور أولى أرهاصات الطابعات ثلاثية الأبعاد خلال العام 1986 على يد الأمريكي تشاك هول، إلا أن البداية الحقيقية لهذه النوعية من الطباعة بدأت خلال العام 2005، عند إطلاق أحد المشروعات الأكاديمية التي تقوم على نسخ مجسمات متعددة.

ومع استمرار الانتشار السريع للطابعات ثلاثية الأبعاد في السوق العالمية، هناك توقعات بارتفاع العائدات الاقتصادية لهذا القطاع لتصل إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2022، خاصة وأن هناك تطورات جديدة ظهرت لهذه النوعية من الطابعات تشير إلى امكانية إنتاج منتجات للمستهلك النهائي وزيادة القدرة على إنتاج أجزاء صناعية معقدة وذات كفاءة وجودة متميزة.

 

 

سوق الطابعات عالميًا

حذرت الصحف الأمريكية مع نهاية العام 2015 من استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد في صناعة الأسلحة بمختلف الأنواع منها ذات الطلقة الواحدة وحتى نصف الآلية منها، وجاء التحذير بعد استخدام سلاح تم انتاجة عبر الطابعات ثلاثية الابعاد في ولاية أورلاندو الأمريكية عبر احد المراهقين مما تسبب في خسائر بشرية فادحة، وهو الامر الذي أدى إلى مطالبة السلطات بفرض رقابة وتشديد العقوبات على استخدام التكنولوجيا الحديثة في أغراض تهدد الأمن العام.

 

وما أثار المخاوف هو تمكن مجموعة غير ربحية تطلق على نفسها اسم "ديفينس ديستربيوتد" من تصنيع أول مسدس يد باستخدام طابعة ثلاثية الأبعاد، وأطلقت عليه اسم "ليبريتور" أو "المحرر"، الأمر الذي أثار مخاوف أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي.

وكانت من نتاج ذلك خضوع الطابعات ثلاثية الأبعاد لرقابة عدد من المؤسسات الحكومية التي تمثل مجموعة من المنتجات التي يمكن إنتاجها بواسطة هذه الطابعات، منها مكتب حقوق الملكية الفكرية للحيلولة دون حدوث جرائم القرصنة وتقليد العلامات التجارية، ومكتب الأغذية والأدوية لمراقبة طباعة أدوات الطعام، والأدوية وجهاز الأمن العام للحد من ارتكاب الخروقات القانونية مع التوسع في استخدام هذه التقنية الحديثة.

وهناك إجراءات يتم دراستها في الوقت الراهن للسيطرة على السوق العالمية للطابعات ثلاثية الأبعاد، خاصة مع المخاوف الأمريكية من إمكانية استخدامها في صناعة أجزاء من الأسلحة النووية، أو غيرها من الأسلحة في حال قيام أيا من الجماعات الإرهابية في استخدامها ضد بعض دول العالم، ومن ثم فقدان القدرة للسيطرة على تسليح هذه الجماعات المهدد للسلم العالمي.

أما ألمانيا فقد قامت بتغليظ العقوبات القانونية على توزيع التصاميم (القرصنة)..بصورة غير قانونية في المواقع التجارية على الإنترنت، مع النص في قانون حماية الملكية بحماية المنتج بطريقة تلقائية دون حاجة إلى التسجيل، وذلك بخلاف براءات الاختراع والعلامات التجارية التي تتطلب التدوين في سجلات خاصة.

 

 

 

والسوق عربيًا..

منذ العام 2016، قامت المملكة الأردنية الهاشمية بإصدار عدة تعليمات لتنظيم سوق الطابعات واستخدامها، حيث تتضمنت هذه التعليمات ضرورة الحصول على موافقة أمنية مسبقة على الاستيراد من وزارة الداخلية، وحصر الاستخدام بالجهات الحكومية والمستشفيات والجامعات والشخصيات الاعتبارية فقط، وعلى الجهة المصرح لها باستخدام هذا النوع من الطابعات أن تلتزم بتزويد وزارة الداخلية بأسماء الأشخاص المخولين حصراً استخدام الطابعات، ومن ثم تزويد هذه الأسماء للأجهزة الأمنية.

بالإضافة لضرورة قيام الأشخاص الذين بحوزتهم هذا النوع من الطابعات بمراجعة أقرب مركز أمني لتوثيق كافة البيانات المتعلقة بها، واسم مستخدمها، لتزويد وزارة الداخلية بإحصائية بهذه الطابعات وأسماء حائزيها.

ويجب على الجهة الاعتبارية المصرح لها أن تلتزم بتركيب كاميرات مراقبة في موقع استخدام الطابعة، والاحتفاظ بسجلات التصوير لمدة ثلاثة أشهر، بالإضافة لالتزامها بتحديث قائمة مستخدمي هذه الطابعات، شريطة الحصول على موافقة وزارة الداخلية المسبقة على قائمة التحديث، ودورياً، وكل من يخالف أياً من الشروط سيحال للحاكم الإداري المختص لاتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة بحقه.

وفي المملكة العربية السعودية شهدت هذه السوق رواجًا كبيرًا، حيث وقعت شركة "وينسون" الصينية اتفاقية مع شركة المبطي للمقاولات بنحو 1.5 مليار دولار، بغرض إيجار 100 طابعة ثلاثية الأبعاد لإعداد منتجات خرسانية. وترمي الاتفاقية، لمساعدة البلاد لسد فجوة العجز في المنازل وتجهيز نحو 1.5 مليون منزل بالطباعة ثلاثية الأبعاد..وحتى الآن لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لتنظيم سوق هذه الطابعات إلا أن الأمر وارد مستقبلًا بطبيعة الحال.

 

السوق محليًا

وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن بدء تنفيذ "استراتيجية دبي للطباعة ثلاثية الأبعاد"، والتي تهدف إلى تحول الدولة إلى مركز عالمي للطباعة ثلاثية الأبعاد بحلول 2030.

وتنص الاستراتيجية على أن تتضمن كل بناية جديدة في دبي ابتداء من 2019، على 25% من الطباعة ثلاثية الأبعاد على الأقل، ألتزمت هيئة الصحة في دبي، بوضع معايير وتنظيم هذه الطباعة في قطاع الصحة، بما في ذلك الأطراف الصناعية والأسنان وأجهزة السمع سواء في العيادات أو المستشفيات الحكومية، مما يعني أن هناك إجراءات تشير إلى ماهية استخدام هذه الطابعات في قطاع الصحة والامر قد يمتد إلى قطاعات آخرى خلال الفترة القادمة.

 

 

 

تحديات أمنية

رغم المميزات الإيجابية لانتشار الطابعات ثلاثية الأبعاد في الحصول على منتجات ذات جودة وتكلفة محدودة إلا أن هناك بعضًا من الآثار السلبية ممثلة في كونها قد تكون احد منافذ القرصنة واهدار حقوق الملكية الفكرية.. حيث من السهل إعادة طباعة اي شيء من أفلام وسيديهات ومواد تقنية وبرامجية بالإضافة إلى تقليد أي تصميمات ايا كانت سواء لمنتجات أو عقارات أو أي شيء له تصميم ثلاثي الأبعاد، مما يعني انتشار منتجات مقلدة للعلامات التجارية المختلفة ومن ثم تكبد الشركات لخسائر فادحة.

وبطبيعة الحال من الممكن صناعة منتجات تمثل تهديدًا للمجتمع مثل السكاكين والأسلحة والآلات الحادة أيا كان شكلها،والتي تتسبب في مخاطر للمجتمع وللشخص الذي يقوم بصناعته بواسطة الطابعات حيث من السهل أن ينفجر أو يصيب المكان ومن حوله بتهديدات مباشرة وقوية.

وقد يتم استخدام صورة أو غيرها من شخص ما واعادة طباعتها بتقنية ثلاثية الابعاد ومن ثم يمثل انتهاكًا صارخًا للخصوصية وتهديدًا له ولغيره وقد يحدث ذلك مع الإرهابيين وجماعات العنف المسلح أيا كانت تواجهاتهم الفكرية.

بالإضافة إلى إمكانية تقليد العملات النقدية المختلفة بمنتهى السهولة والاتقان في نفس الوقت، مما يشكل تهديدًا لبنية الاقتصاد الوطني لأيا من دول العالم.

 

 

تعديلات تشريعية ضرورية

وفقا للتحديات الأمنية المحتملة للتوسع المتوقع في استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد، أصبح هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في التشريعات الوطنية المتعلقة (بالملكية الفكرية والعلامات التجارية والسجل الصناعي، بالإضافة إلى تراخيص الأسلحة، ومكافحة الإرهاب.) ومن ثم تغليظ العقوبات القانونية للاستخدامات السلبية للطابعات بحيث تتضمن العقوبات الغرامة المالية والسجن لمدد طويلة، بما يمثل رادع قانوني.

إضافة إلى التعامل مع هذه النوعية من الجرائم على أنها تهدد الأمن العام واستقرار الدولة خاصة وأن آثارها الاقتصادية والأمنية بالغة الخطورة، ومن ثم هناك ضرورة للنص في التشريع الخاص بالطابعات ثلاثية الأبعاد على مسمى المنتجات أو التصاميم بشكل عام بما يعني عدم وضع تعريف أو تسمية محددة للمنتجات أو التصاميم بما يجعله يتضمن تجريم أي تصميم أو منتج قد يتم انتاجه مستقبلًا عبر هذه الطابعات دون تراخيص قانونية بهذا الشأن، وهو ما يعني ضرورة إعادة النظر في النص التشريعي فيما يتعلق بالعقوبات الواردة به كل فترة زمنية لا تقل عن عامين على الأكثر، بما يؤدي إلى تغليظ العقوبات واستمرار تواجد رادع قانوني قوي ومؤثر.

وحتى لا يتم التسبب جراء هذه الضوابط في بروز نوع من التخوف لاقتناء هذه الطابعات من الممكن وضع ضوابط وأسس تتعلق بالاقتناء ذاته مثل قيام خبراء التكنولوجيا في الدولة بوضع رقم تعريفي للطابعات محلي (سيريال نمبر) يتم تدوينه أسفل أي عملية طباعة ثلاثية الأبعاد، بما يضمن سهولة التعرف على الطابعة والمكان الذي تمت فيه عملية الطباعة، بالإضافة إلى سهولة تحديد عدد الطابعات المتواجدة في الدولة وأماكنها ومن ثم إحكام الرقابة عليها وفق الضوابط التي سيتم النص عليها في هذا الشأن.

 

 

نبذة عن الكاتبة:

مريم الأحمدي، مستشارة حقوقية وناشطة مجتمعية إماراتية، حاصلة على عدة جوائز و أوسمة محلية ودولية في مجال حقوق الإنسان والعمل التطوعي والمجتمعي، ساهمت في تدشين وتطوير عدد من جمعيات النفع العام والجمعيات الحقوقية على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي، بالإضافة إلى تولي عدد من المناصب الحكومية والمجتمعية.